سورة لقمان - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}
{أولئك على هُدًى مّن رَّبّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون} استئنافًا، وإذا أريد بها جميع ما يحسن من الأعمال وكان تخصيص المذكورات بالذكر لفضل اعتداد بها يكون الموصول مبتدأ وجملة {أولئك على هُدًى} إلخ خبره والكلام استئناف بذكر الصفة الموجبة للاستئهال.
وقيل: إن الموصول على التقديرين صفة إلا أنه على التقدير الأول كاشفة وعلى التقدير الثاني صفة مادحة للوصف لا للموصوف، وبناء {يُوقِنُونَ} على {هُمْ} للتقوي، وأعيد الضمير للتأكيد ولدفع توهم كون {بالاخرة} خبرًا وجبرًا للفصل بين المبتدأ وخبره ولم يؤخر الفاصل للفاصلة.
وذكر بعض أجلة المفسرين في قوله تعالى أول سورة [النمل: 3]: {وَهُم بالاخرة هُمْ يُوقِنُونَ} إن بناء {يُوقِنُونَ} على {هُمْ} يدل على أن مقابليهم ليسوا من اليقين في ظل ولا فىء وإن تقديم {فِى الاخرة} يدل على أن ما عليه مقابلوهم ليس من الآخرة في شيء وذلك لإفادة تقديم الفاعل المعنوي وتقديم الجار على متعلقه الاختصاص فانظر هل يتسنى نحو ذلك هنا، وقد مر أول سورة البقرة ما يعلم منه وجه اختيار اسم الإشارة ووجه تكراره، وفي الآية كلام بعد لا يخفى على من راجع ما ذكروه من الكلام على ماي شبهها هناك وتأمل فراجع وتأمل.


{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)}
{وَمِنَ الناس} أي بعض من الناس أو بعض الناس {مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الحديث} أي الذي أو فريق يشتري على أن مناط الإفادة والمقصود بالأصالة هو اتصافهم بما في حيز الصلة أو الصفة لا كونهم ذوات أولئك المذكورين، والجملة عطف على ما قبلها بحسب المعنى كأنه قيل: من الناس هاد مهدي ومنهم ضال مضل أو عطف قصة على قصة، وقيل: إنها حال من فاعل الإشارة أي أشير إلى آيات الكتاب حال كونها هدى ورحمة والحال من الناس من يشتري الخ، و{لَهْوَ الحديث} على ما روي عن الحسن كل ما شغلك عن عبادة الله تعالى وذكره من السمر والأضاحيك والخرافات والغناء ونحوها، والإضافة عنى من أن أريد بالحديث المنكر كما في حديث: «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش» بناءً على أنها بيانية وتبعيضية إن أريد به ما هو أعم منه بناءً على مذهب بعض النحاة كابن كيسان. والسيرافي قالوا: إضافة ما هو جزء من المضاف إليه عنى من التبعيضية كما يدل عليه وقوع الفصل بها في كلامهم، والذي عليه أكثر المتأخرين وذهب إليه ابن السراج. والفارسي وهو الأصح أنها على معنى اللام كما فصله أبو حيان في شرح التسهيل وذكر شارح اللمع.
وعن الضحاك أن {لَهْوَ الحديث} الشرك، وقيل: السحر، وأخرج ابن أبي شيبة. وابن أبي الدنيا. وابن جرير. وابن المنذر. والحاكم وصححه. والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الصهباء قال: سألت عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الحديث} قال: هو والله الغناء وبه فسر كثير، والأحسن تفسيره بما يعم كل ذلك كما ذكرناه عن الحسن، وهو الذي يقتضيه ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد. وابن أبي الدنيا. وابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه قال: {لَهْوَ الحديث} هو الغناء وأشباهه، وعلى جميع ذلك يكون الاشتراء استعارة لاختياره على القرآن واستبداله به، وأخرج ابن عساكر عن مكحول في قوله تعالى: {مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الحديث} قال الجواري الضاربات.
وأخرج آدم. وابن جرير. والبيهقي في سننه عن مجاهد أنه قال فيه: هو اشتراؤه المغني والمغنية والاستماع إليه وإلى مثله من الباطل، وفي رواية ذكرها البيهقي في السنن عن ابن مسعود أنه قال: في الآية هو رجل يشتري جارية تغنيه ليلًا أو نهارًا واشتهر أن الآية نزلت في النضر بن الحرث، ففي رواية جويبر عن ابن عباس أنه اشترى قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد صلى الله عليه وسلم من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه فنزلت.
وفي أسباب النزول للواحدي عن الكلبي. ومقاتل أنه كان يخرج تاجرًا إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم وفي بعض الروايات كتب الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشًا ويقول لهم: إن محمدًا عليه الصلاة والسلام يحدثكم بحديث عاد. وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم. واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت، وقيل: إنها نزلت في ابن خطل اشترى جارية تغني بالسب، ولا يأبى نزولها فيمن ذكر الجمع في قوله تعالى بعد: {أُوْلئِكَ لَهُمْ} كما لا يخفى على الفطن، والاشتراء على أكثر هذه الروايات على حقيقته ويحتاج في بعضها إلى عموم المجاز أو الجمع بين الحقيقة والمجاز كما لا يخفى على من دقق النظر، وجعل المغنية ونحوها نفس لهو الحديث مبالغة كما جعل {النساء} في قوله تعالى: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء} [آل عمران: 14] نفس الزينة.
وفي البحر إن أريد بلهو الحديث ما يقع عليه الشراء كالجواري المغنيات وككتب الأعاجم فالاشتراء حقيقة ويكون الكلام على حذف مضاف أي من يشتري ذات لهو الحديث.
وقال الخفاجي: عليه الرحمة لا حاجة إلى تقدير ذات لأنه لما اشتريت المغنية لغنائها فكأن المشتري هو الغناء نفسه فتدبره، وفي الآية عند الأكث


{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)}
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ} ففي الآية مراعاة اللفظ ثم مراعاة المعنى ثم مراعاة اللفظ ونظيرها في ذلك قوله تعالى في سورة الطلاق (11) {وَمَن يُؤْمِن بالله} الآية، قال أبو حيان: ولا نعلم جاء في القرآن ما حمل على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ غير هاتين الآيتين، وقال الخفاجي: ليس كذلك فإن لها نظائر أي وإذا تتلى على المشتري المذكور {ءاياتنا} الجليلة الشأن {وَلِىُّ} أعرض عنها غير معتد بها {مُسْتَكْبِرًا} مبالغًا في التكبر فالاستفعال عنى التفعل {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} حال من ضمير {وَلِىُّ} أو من ضمير {مُسْتَكْبِرًا} أي مشابهًا حاله في اعراضه تكبرًا أو في تكبره حال من لم يسمعها وهو سامع، وفيه رمز إلى أن من سمعها لا يتصور منه التولية والاستكبار لما فيها من الأمور الموجبة للإقبال عليها والخضوع لها على طريقة قول الخنساء:
أيا شجر الخابور مالك مورقا ***
كأنك لم تجزع على ابن طريف و{كَانَ} المخففة ملغاة لا حاجة إلى تقدير ضمير شأن فيها وبعضهم يقدره {كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْرًا} أي صمما مانعًا من السماع، وأصل معنى الوقر الحمل الثقيل استعير للصمم ثم غلب حتى صار حقيقة فيه، والجملة حال من ضمير لم يسمعها أو هي بدل منها بدل كل من كل أو بيان لها ويجوز أن تكون حالًا من أحد السابقين، ويجوز أن تكون كلتا الجملتين مستأنفتين والمراد من الجملة الثانية الترقي في الذم وتثقيل {كَانَ} في الثانية كأنه لمناسبته للثقل في معناه، وقرأ نافع {فِى أُذُنَيْهِ} بسكون الذال تخفيفًا {فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي أعلمه أن العذاب المفرط في الإيلام لا حق به لا محالة، وذكر البشارة للتهكم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8